حزب الله وإسرائيل- استنزاف طويل الأمد أم نفاد للذخيرة؟

المؤلف: عبدالرحمن الطريري11.15.2025
حزب الله وإسرائيل- استنزاف طويل الأمد أم نفاد للذخيرة؟

إن التراجع الملحوظ في كثافة القصف الصاروخي الذي يشنه حزب الله على الأراضي الإسرائيلية يثير جملة من التساؤلات والتكهنات، ويفتح الباب أمام تفسيرات متباينة. في مقدمة هذه التفسيرات، تبرز الرواية الإسرائيلية التي تتحدث عن استنزاف مخزون حزب الله الصاروخي، نتيجة الضربات المتواصلة التي استهدفت مستودعاته. وثمة سيناريو آخر يرى في هذا الانخفاض دلالة على وجود ضعف هيكلي في صفوف الحزب، عقب اغتيال عدد من قادته البارزين، فضلاً عن إصابة مقاتلين من قوات النخبة "البيجر" الذين ظهرت صور لهم وهم يتلقون العلاج في إيران.

إلا أن السيناريو الأكثر إثارة للاهتمام يتمثل في الاحتمال الذي يشير إلى أن حزب الله ربما يكون بصدد التخطيط لحرب استنزاف طويلة الأمد، مستفيداً من عنصر الزمن كسلاح فتاك يمكن من خلاله إلحاق الضرر بتل أبيب. وهذا ما أكدته وكالة "رويترز" نقلاً عن مصادر مطلعة على عمليات حزب الله، حيث أشارت إلى أن الجماعة لا تزال تمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ الدقيقة الأكثر تطوراً التي لم يتم استخدامها حتى الآن.

وفي سياق متصل، صرح قائد ميداني بارز في حزب الله بأن المقاتلين يتمتعون بمرونة عالية في تنفيذ الأوامر "وفقاً لقدرات الجبهة"، ووصف القيادة الجديدة للحزب بأنها "دائرة ضيقة". يذكر أن هذه القيادة الجديدة قد تشكلت بعد مرور 72 ساعة على اغتيال نصرالله، وأن الجماعة قررت تبني استراتيجية حرب الاستنزاف. ويبدو أن القيادة الجديدة تعتمد بشكل كبير على الشبكة الهاتفية الأرضية، التي لم تتعرض حتى الآن لأي هجوم من قبل إسرائيل.

يتماشى هذا السيناريو أيضاً مع العملية التي استهدفت قوات اليونيفيل، والتي قد تكون مؤشراً على سعي إسرائيل إلى كسب عداوة دول أوروبية دون مقابل، حتى لو كان مقاتلو حزب الله يتخذون من قوات اليونيفيل دروعاً بشرية. وتتجلى أهمية هذا الأمر إذا ما أدركنا أن ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا تحتل المراكز الأولى في قائمة الدول المصدرة للأسلحة إلى إسرائيل، حيث تأتي الولايات المتحدة في المقدمة بتوريد ما يقرب من 70% من هذه الأسلحة. وفي المقابل، أعلنت كل من كندا وهولندا واليابان وإسبانيا وبلجيكا عن تعليق شحنات الأسلحة إلى إسرائيل.

يضاف إلى ذلك عامل آخر يضغط على إسرائيل ويجعل إطالة أمد الحرب أمراً غير مرغوب فيه، وهو العامل البشري. وفي هذا الصدد، أشار الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إسحاق بريك في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" إلى أن إسرائيل "ستنهار في غضون عام" في حال استمرت حرب الاستنزاف الحالية ضد حركة حماس وحزب الله اللبناني. إن تجاوز عدد القتلى حاجز الـ 700 جندي وعدم إحراز أي تقدم في ملف الرهائن يمثل ضغطاً شعبياً إسرائيلياً هائلاً على الحكومة.

وعلى الصعيد الاقتصادي، تتكبد إسرائيل خسائر فادحة تجاوزت 67 مليار دولار. وقد قامت وكالة فيتش، هذا الأسبوع، بتخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل من "A+" إلى "A". وأضافت الوكالة: "نتوقع عجزاً في الميزانية بنسبة 7.8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، وأن يظل الدَّين العام أعلى من 70% من الناتج المحلي الإجمالي في المدى المتوسط".

في المقابل، يثور التساؤل عما إذا كانت غزة قادرة على تحمل المزيد من الخسائر، بعد أن فقدت أكثر من 41 ألف نسمة في الحرب، بالإضافة إلى ما يزيد على تسعين ألف مصاب، وسط نقص حاد في المواد الغذائية والصحية. وهل سيكون حزب الله قادراً على تحمل سيناريو نجاح التوغل البري في جنوب لبنان، خاصة بعد أن أُفرغت معظم القرى الجنوبية من سكانها، الذين يفترشون الأرصفة على كورنيش بيروت؟ والأهم في سيناريو الاستنزاف، هل سينجح حزب الله في تهريب صواريخ إضافية عبر سوريا، خاصة بعد التغييرات الأخيرة في تمركز قوات نظام الأسد، والتي تمثلت في ابتعاد الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد عن مواقع الحزب، والتأكد من خلو مقرات الفرقة من أي عناصر تابعة للحزب؟

في الختام، يمكن اعتبار هذه الخسائر مقبولة ومبررة من وجهة النظر الإسرائيلية، إذا تمكنت إسرائيل من تحييد خطر حماس وحزب الله لعقدين من الزمن، وربما القضاء على حل الدولتين. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن تحقيق بعض الأهداف المرجوة ليس بالأمر الهين، فالبرنامج النووي الإيراني والمقرات النفطية الإيرانية لا يُسمح باستهدافها، فالخيار الأول مرفوض أمريكياً، والثاني سيثير غضب الصين، وهو أمر غير مرغوب فيه.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة